-->
موقع العدالة المغربية موقع العدالة المغربية
مقالات

آخر المستجدات

مقالات
مقالات
جاري التحميل ...

توظيف القضاء الإداري ( المغربي والفرنسي ) لنظرية الأجل المعقول لممارسة الحق، ذ.أحمد بلا | موقع العدالة المغربية

ذ.أحمد بلا
باحث بصف الدكتوراه
www.justicemaroc.com

تطرح مسألة الأجل المعقول بحدة في العديد من المحطات المختلفة التي عرضت على القضاء الإداري، ذلك أن قضاء الغرفة الإدارية لمحكمة النقض أصبح يوظف هذا المفهوم لحل مجموعة من الإشكالات القضائية، خاصة في المنازعات المتعلقة بالضرائب والمسؤولية الإدارية وغيرها.
ففي بعض النوازل يدفع أحد الأطراف بأن الطرف الآخر لم يستعمل الحق المخول له قانونا داخل أمد معقول بما ينسجم مع غاية المشرع، أو أنه تقاعس بشكل مفرط عن سلوك مساطر اقتضاء حقه ومباشرتها داخل أجل معقول، بشكل يمس بمركز قانوني ما.
فهل الغاية من اعتماد نظرية الأجل المعقول هي ضمان استقرار المراكز القانونية؟ أم لتحقيق الموازنة بين المصلحتين العامة والخاصة؟ أم ماذا؟
لمناقشة هذه الإشكاليات سوف نقوم بطرح سؤالين:
السؤال الأول ما هو الأجل المعقول؟ والثاني ما هي مختلف الحالات التي وظفه فيها القضاء الإداري؟
لنحاول الإجابة عنهما وفقا للتصميم الآتي:
أولا/ مفهوم ممارسة الحق داخل أجل معقول:
يتمتع مفهوم الأجل في الحقل القانوني بأهمية قصوى، باعتباره يحدد مصير جميع الحقوق الموضوعية والتي يتعين لاستيفائها احترام الآجال المقررة قانونا للمطالبة بها قضاء.
ويدق الأمر عند عدم تحديد المشرع لأجل ممارسة الحق، وهنا تدخل القضاء لإقرار مفهوم الأجل المعقول كضابط ومحدد لمآل المطالبة بهذا الحق.
ويراد بالأجل المعقول من الناحية اللغوية اقتضاء الحق داخل أجل عادل ومنصف وبطريقة مقبولة ومصادفة للمنطق السليم للأشياء، ومصطلح "معقول" ينصرف لغويا إلى القدرة على التفكير التي تخول الفرد إصدار أحكام سليمة وبالتالي تجسيدها على أرض الواقع بشكل مقبول. 
ومن الناحية القانونية، يقترب مفهوم الأجل المعقول من مفهوم التعسف في استعمال الحق وإن كان لا يرقى المفهوم الأول إلى التعسف بمفهوم هذا المبدأ، وإنما يشكل فقط تراخيا وتقاعسا غير مقبول عن ممارسة الحق أو الإجراء داخل أمد مقبول، بشكل يؤدي إلى إلحاق الضرر أو إن شئنا القول يمس بعدالة اقتضاء ذلك الحق، وذلك دون أن يتم الأمر على حساب مصالح طرف آخر.
واستخلاص عنصر ممارسة الحق أو التدخل لحماية حق من الحقوق ينطلق أساسا من عدة معايير من بينها البحث في الأسباب والمبررات التي حالت دون اقتضاء ذلك الحق داخل أجل مقبول، وكذا الظروف والمعطيات المحيطة بالنازلة المعروضة على القضاء، لأن التأخر لمدة ليست بالقصيرة- والتي تتمتع المحكمة إزائه بسلطة تقدير كونها مدة قصيرة أو طويلة- قد يؤدي إلى الاضرار بحقوق باقي الأطراف المدينة (الأفراد أو الدولة على حد السواء) بذلك الحق- مما يتعين معه السعي نحو تحقيق الموازنة بين الحقين المذكورين حسب ظروف ومعطيات كل ملف، بشكل يؤدي إلى تحقيق الانصاف والعدل المطلوب، فإذا ما قدمت مبررات جدية كانت السبب في التراخي الحاصل في ممارسة الحق فإن ذلك يساعد في استبعاد الأخذ بمفهوم الأجل المعقول و عدم مواجهة الطرف المتقاعس به. 
وينصرف مفهوم الأجل المعقول كذلك إلى سوء تقدير التوقيت المناسب لتدخل صاحب الحق قصد اقتضاء حقه، أو لتدخل الإدارة قصد تأمين احتياجات المرفق لتلافي أي تقاعس غير معقول وغير مبرر قد يؤدي إلى تضرر المرتفق. وقد أعمل القضاء هذه الفكرة – سوء تقدير توقيت التدخل_ في بعض النوازل كما سنرى ذلك لاحقا.
ثانيا/ تطبيقات الأجل المعقول:
تتعدد التطبيقات القضائية التي وظف فيها القضاء الإداري المغربي والمقارن هذا المفهوم لتحقيق الموازنة بين مصالح الأطراف، وتكريس مبدأ الأمن القانوني والقضائي.
1/موقف القضاء الفرنسي:
في نازلة عرضت على القضاء الفرنسي حديثا، أصدر وزير المالية والاقتصاد الفرنسي بتاريخ 24/06/1991 قرارا يقضي باستفادة مواطن فرنسي من راتب التقاعد وعدم استفادته في مقابل ذلك من التعويضات العائلية المرتبطة بأطفاله وذلك طبقا لقانون المعاشات المدنية والعسكرية، وتوصل بالقرار بتاريخ 26/09/1991 وقد حدد قرار الوزير المذكور أجلا معينا للمواطن المذكور قصد المنازعة والطعن في قراره أمام القضاء.
وبعد انصرام أكثر من 22 سنة، تقدم المدعي بدعوى أمام المحكمة الإدارية بمدينة ليل الفرنسية يلتمس بموجبها إلغاء قرار وزير الاقتصاد والمالية، إلا أن المحكمة أصدرت حكمها بتاريخ 2/12/2014 قضت من خلاله برفض الطلب تأسيسا على أن الدعوى لم تقدم داخل أجل معقول.
إلا أن مجلس الدولة الفرنسي أصدر قرارا بتاريخ 13/07/2016 في الملف عدد 387763 يقضي بنقض حكم المحكمة الإدارية بعلة أن هذه الأخيرة لم تراعي مقتضيات الفصل R.421-5 من قانون المحاكم الإدارية، وأبرزت أن عدم تحديد وزير الاقتصاد والمالية للجهة المختصة بنظر الطعن المقدم من المواطن أكانت جهة عادية أم جهة متخصصة (La juridiction compétente est générale ou spécialisée) وذلك في صلب القرار المطعون فيه يجعل الأجل مفتوحا للطرف المدعي مما يسعفه في تقديم دعواه متى شاء دون مواجهته بنظرية بأجل رفع دعوى الإلغاء، إعمالا لمبدأ الأمن القانوني ومبدأ إلزامية تحديد جهة الطعن وآجال ممارسة هذا الطعن في صلب القرارات الإدارية حتى يكون المعني بالأمر على بينة تامة بحقوقه المسطرية المخولة له قانونا. 
فالقاعدة المقررة من طرف مجلس الدولة الفرنسي أن عدم تضمين القرارات الإدارية الفردية السلبية للجهات المختصة بنظر الطعون المقدمة ضدها والآجال المتعلقة بها يؤدي إلى عدم مواجهة المعني بالأمر بالآجال الواردة في قانون المحاكم الإدارية.
وقد انتقد هذا القرار بشدة من طرف الفقه الفرنسي (على سبيل المثال الأستاذ Pascal Caille) معتبرا أنه يتعين الاقتصار على أجل معقول un délai raisonnable محدد على سبيل المثال في سنة بدل إبقاء أجل الطعن مفتوحا لما لا نهاية حفاظا على استقرار المراكز القانونية، متسائلا بمقاله المشار إليه بالهامش عن تدعيم حرية الطعن باسم الأمن القانوني، وذلك بدل الاستناد على أجل معقول لممارسة الطعن.
وفي نازلة أخرى، أقر مجلس الدولة الفرنسي في قراراه الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2001 بأن الإدارة تتوفر على أجل أقصاه أربعة أشهر إذا ما ارتأت سحب تصرف فردي منشئ لحقوق مشوبة بعدم المشروعية. واعتبر أن الأجل المذكور أجل معقول يمكن الإدارة من دراسة خياراتها بشكل مقبول. وذلك في اتجاه تكريس استقرار المراكز القانونية وبالأساس حماية المشروعية.
في هذا الصدد، أقرت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 16/03/2011 أن الأجل المعقول يستخلص حسب معطيات كل نازلة على حدة، ويمكن الاستعانة في تحديده بالخبراء إذا تعلق الأمر بمسألة فنية يرجع أمر تقدير كونها أنجزت داخل أجل معقول أم لا لذوي الاختصاص، بحيث ذهبت في هذا القرار إلى أن عدم تضمين العقد المبرم بين طرفين للأجل الأقصى المحدد للحرفي لإنجاز العمل المطلوب منه فإنه يصار في هذ الحالة إلى تطبيق نظرية الأجل المعقول حسب معطيات الملف وبالاستعانة بالخبراء متى اقتضى الأمر ذلك.
2/موقف القضاء المغربي:-أثر المطالبة بالتعويض عن الاعتداء المادي داخل أجل معقول على التعويض المستحق:
- قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 11/06/2015 عدد 525 في الملف الإداري عدد 2225/4/2/2014 (منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 80، ص 274 وما بعدها) جاء فيه ما يلي " ... في حين أن المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الإدارة حينما تقوم بالاعتداء ماديا على ملك الغير تفتقد أساس المشروعية ومن تم لا تطبق عليها تصبح قواعد المسؤولية الإدارية بل تصبح مسؤولة في إطار قواعد المسؤولية المدنية، والتي من نتائجها أن الضرر يقدر بتاريخ الفعل الضار أو إقامة الدعوى بحسب مصلحة المضرور، غير أن إعمال القاعدة المذكورة مشروط بإقامة دعوى المطالبة بالتعويض داخل أجل معقول يتم تقديره أخذا بعين الاعتبار الظروف الملابسة لحدوث فعل الاعتداء المادي وللأسباب التي حالت دون تقديم المضرور لدعواه بعد حصول الفعل الضار." 
هكذا، ولئن كانت القاعدة المقررة قضاء أن دعوى الاعتداء المادي لا تخضع للتقادم ويمكن للمعني بالأمر رفعها في أي وقت شاء، طالما أن واقعة الاعتداء على العقار تعتبر واقعة مستمرة ومسترسلة في الزمن ، فإنه في مقابل ذلك، يترتب عن تراخي مالك العقار عن رفع دعواه داخل أجل معقول-الذي يخضع تقديره للسلطة التقديرية للمحكمة- استحقاقه تعويضا يراعي حالة التقاعس هذه، بدل الاقتصار على اعتماد قيمة العقار بتاريخ رفع الدعوى، إلا إذا أثبت المدعي أن أسباب جدية حالت دون تقديمه لدعوى المطالبة بالتعويض داخل أجل مقبول.
طالما أن الطرف المتضرر يستفيد من قواعد المسؤولية المدنية، التي من بين نتائجها أن الضرر يقدر بتاريخ الفعل الضار أو إقامة الدعوى بحسب مصلحة المضرور، ويستفيد كذلك من عدم تقادم دعوى الاعتداء المادي، فإن هاذين المعطيين يفرضان على المعني بالأمر تقديم دعواه داخل أمد معقول، على اعتبار أن تقدير الضرر بتاريخ إقامة الدعوى- وهو الأصلح له- سيؤدي إلى الحكم بتعويض قد يفوق القيمة الحقيقية العقار بكثير متى تقاعس المدعي لمدة طويلة عن رفع دعوى التعويض عن الاعتداء المادي. 
فالغاية من اعتماد نظرية الأجل المعقول في هذه النازلة هي تفادي الحكم بتعويض يمكن وصفه بأنه سيكون غير عادل إذا ما حكم للطرف المتضرر بتعويض يساوي قيمة المتر المربع بتاريخ رفع الدعوى، بحيث إن ذلك سيؤدي بلا شك، في الحالة التي يتراخى فيها المعني بالأمر عن رفع دعواه داخل أمد مقبول، إلى استفادة المدعي من تعويض يفوق بكثير قيمة العقار أثناء وضع الإدارة يدها على العقار.
ومع ذلك، نسجل أنه لما كان الأصل أن الإدارة المعتدية هي من تبادر إلى سلوك مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، إذا ما ارتأت تملك عقار من العقارات المملوكة للخواص وإنجاز مرفق عمومي عليه، فإن مواجهة الطرف المتضرر بنظرية الأجل المعقول هنا يبقى محل نقاش، طالما أن فعل الإدارة غير مشروع بوضع يدها على العقار حيادا على المساطر القانونية، وبالتالي فإن معاقبة المتقاعس عن رفع دعوى التعويض عن الاعتداء المادي من خلال الحكم لفائدته بتعويض لا يوازي قيمة العقار بتاريخ رفع الدعوى أخذا بعين الاعتبار حالة التراخي يطرح أكثر من سؤال، لأن الإدارة هي الملزمة طبقا للقانون باتباع مجموعة من الإجراءات الإدارية والقضائية بما فيها وجوب تقدمها بمقال استعجالي رامي إلى الإذن لها بحيازة العقار المنزوعة ملكيته، وتقدمها كذلك بمقال في الموضوع يرمي إلى نقل الملكية لفائدتها مقابل التعويض المقترح من طرف اللجنة الإدارية للتقييم.
وعلى العموم، فإن توفر ملف القضية على وثائق تفيد وجود مراسلات بتاريخ وضع الإدارة يدها على العقار أو قبل هذا التاريخ بين الإدارة والمعني بالأمر موضوعها إما محاولة الاتفاق على نقل الملكية بالتراضي أو تحديد ثمن البيع والتي باءت بالفشل، تعطي مؤشرات بأن الطرف المتضرر كان عالما باعتداء الإدارة على عقاره، وبالتالي فإنه يواجه بنظرية الأجل المعقول متى تقاعس لأمد غير مقبول عن رفع الدعوى. وهناك العديد من المؤشرات التي يستشف منها التراخي غير المقبول للطرف المعتدى على عقاره، والتي يخضع تقييمها لسلطة المحكمة.
في نفس الاتجاه ذهب حكم المحكمة الإدارية بأكادير، عدد 1261، الصادر بتاريخ 26/09/2017 في الملف عدد 1280/7112/2016 (غير منشور) جاء فيه ما يلي:
"وحيث إن المقرر قضاء أن الإدارة حينما تقوم بالاعتداء ماديا على ملك الغير تفتقد أساس المشروعية وتصبح مسؤولة في إطار قواعد المسؤولية المدنية، والتي من نتائجها أن الضرر يقدر بتاريخ الفعل الضار أو إقامة الدعوى بحسب مصلحة المضرور، شريطة إقامة دعوى المطالبة بالتعويض داخل أجل معقول يتم تقديره أخذا بعين الاعتبار الظروف الملابسة لحدوث فعل الاعتداء المادي وللأسباب التي حالت دون تقديم المضرور لدعواه بعد حصول الفعل الضار، بحيث جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 11/06/2015 عدد 525 في الملف الإداري عدد 2225/4/2/2014 ما يلي " ... في حين أن المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الإدارة حينما تقوم بالاعتداء ماديا على ملك الغير تفتقد أساس المشروعية ومن تم لا تطبق عليها تصبح قواعد المسؤولية الإدارية بل تصبح مسؤولة في إطار قواعد المسؤولية المدنية، والتي من نتائجها أن الضرر يقدر بتاريخ الفعل الضار أو إقامة الدعوى بحسب مصلحة المضرور، غير أن إعمال القاعدة المذكورة مشروط بإقامة دعوى المطالبة بالتعويض داخل أجل معقول يتم تقديره أخذا بعين الاعتبار الظروف الملابسة لحدوث فعل الاعتداء المادي وللأسباب التي حالت دون تقديم المضرور لدعواه بعد حصول الفعل الضار.
وحيث إنه بالنظر إلى طبيعة العقار ومساحته وموقعه بجماعة إفني وكذا تاريخ اعتداء هذه الأخيرة عليه الذي يعود لسنة 1979، ولكون المدعى عليها احتلت العقار المذكور دون احترام الإجراءات اللازمة لنزع ملكيته، فإن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية في هذا المجال واستنادا على العناصر المذكورة سلفا ترى تحديد التعويض المناسب عن غصب عقار المدعي في تعويض إجمالي قدره مائة ألف 100.000,00 درهم، على أساس مساحة قدرها 100 متر مربع ومبلغ 1000 درهم للمتر المربع."
فالمحكمة الإدارية بأكادير بعدما تبين لها من تقرير الخبرة أن الخبير حدد ثمن المتر المربع للعقار المحتل بتاريخ رفع الدعوى في مبلغ 2500 درهم، اقتصرت على تحديد التعويض المستحق للطرف المدعي على أساس مبلغ 1000 درهم للمتر المربع، مراعاة منها لطول المدة الفاصلة بين تاريخ الاعتداء وتاريخ رفع الدعوى (2016)، واستنكاف الطرف المدعي عن إثبات الأسباب التي حالت دون اقتضاء حقه داخل أمد مقبول، وذلك تماشيا مع قرار محكمة النقض المشار إليه أعلاه.
وعليه، فالمحكمة المعروض عليها النزاع يتعين عليها البحث في العناصر الآتية:
العنصر الأول: تقدير ما إذا كانت المدة الفاصلة بين تاريخ وضع الإدارة يدها على العقار وتاريخ رفع دعوى التعويض عن هذا الاعتداء مدة قصيرة أو طويلة، وذلك حسب ظروف ومعطيات الملف، واستحضارا لجميع العناصر الممكنة.
العنصر الثاني: البحث في وجود أسباب سائغة حالت دون رفع المدعي لدعوى المطالبة بالتعويض داخل أمد معقول، وهذا الأخير هو المطالب بالاستظهار بكل ما يفيد وجود أسباب جدية أدت إلى تقاعسه عن رفع الدعوى.
العنصر الثالث: تقدير التعويض المستحق للطرف المتضرر من الاعتداء في ضوء جميع المعطيات المذكورة أعلاه، ونعتقد أن اعتماد ثمن المتر المربع بتاريخ رفع الدعوى قد يشكل اجحافا بحق الإدارة بالرغم من أن فعلها في الأصل غير مشروع، ومن تم وجب مراعاة هذا الأمر في تقدير التعويض المناسب والعادل.
-تقاعس الإدارة عن التدخل داخل أجل معقول لحفظ النظام: 
في نازلة عرضت على المحكمة الإدارية بالرباط، تقدمت شركة بمقال تتمسك بمقتضاه بأنها شركة متخصصة في استخراج الرمال من قعر البحر وأنها حصلت على رخصة بتاريخ 10/11/1997 من وزارة الفلاحة تم الترخيص لها بموجبها باستخراج كميات محددة من الرمال من قعر البحر بشاطئ الهوارة بولاية طنجة، وأنها من أجل القيام بأعمال الحفر رصدت أموالا باهظة وأحضرت آليات ضخمة وشرعت في عملية استخراج الرمال وجمعها في مكان استأجرته لهذا الغرض في انتظار بيعه للخواص، غير أنها فوجئت بعدة عراقيل تمثلت في قيام عدد من العمال كانوا يشتغلون في شاطئ هوارة بمنعها من ممارسة عملها إذ قاموا بإتلاف الرمال المستخرجة واعتراض شاحناتها التي كانت تعمل على نقل الرمال بين طنجة والرباط، وأن ولاية طنجة سبق لها أن تعهدت بالحد من الرخص المؤقتة التي كانت تمنح لبعض الخواص لأخذ الرمال من الشاطئ المذكور، غير أن ولاية طنجة لم تف بالتزاماتها واسترسلت في منح الرخص المؤقتة الشيء الذي يشكل عرقلة حقيقية لممارسة عملها على أحسن وجه، سيما بعد أن تعهدت بالشروع في عملية بيع الرمال المستخرجة لتغطية السوق الداخلي ابتداء من 01/07/1999، كما تقدمت بعدة تظلمات للجهات الإدارية في شخص وزير التجهيز ووزير الداخلية ووكيل الملك تخبرهم من خلالها بأنها استخرجت كمية هامة من الرمال وصلت إلى 500.000 متر مكعب، غير أنها منعت من تزويد السوق الداخلي بها من طرف أصحاب الرخص المؤقتة بل حتى الوصول إلى موقع العمل، مما يجعل مسؤولية الدولة قائمة على أساس نظرية المخاطر حتى ولو لم يصدر عنها أي خطأ.
وبعد إجراء بحث وكذا خبرة، صدر الحكم بأداء الدولة المغربية (وزارة الداخلية) لفائدة المدعية تعويضا قدره 8.450.000 درهم، وهو الحكم الذي استأنف من طرف الدولة، فقضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بإلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا برفض الطلب، (قرار عدد 2510 المؤرخ في 29/09/2011 في الملف عدد 534/2008/6) استنادا إلى الحيثيات التالية: " أن مسؤولية الدولة في نازلة الحال لا يكون لها محل إلا إذا تعذر عليها بمختلف مكوناتها من أمن ودرك وجيش الحفاظ على استتباب الأمن في كل مكان ويصاب بشلل كلي على مستوى الجانب الاقتصادي والاجتماعي ويخشى المواطنون على أرواحهم وممتلكاتهم، إذ ذاك نكون أمام مظهر من مظاهر الإخلال بالأمن العام، وذلك نتيجة تقصير الدولة في اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على ممتلكات المواطنين وعلى أنفسهم، والحال أن يقوم زمرة من العمال بالتجمهر وعرقلة شحن الشاحنات للرمال لا يشكل في حد ذاته إخلالا بالأمن العام، طالما أنه لم يترتب عنه هلع وخوف في نفوس المواطنين لم يسفر عن إغلاق كلي وشامل للمحلات التجارية والإدارية والعمومية والمدراس."
وهو القرار المطعون فيه بالنقض من طرف الشركة المدعية، حيث تعيب عليه سوء التعليل، ذلك أن المحكمة مصدرته علقت قيام مسؤولية الدولة على وجود انفلات عام وإخلال عام بالأمن، وأن ينتج عن ذلك إغلاق كلي وشامل لمرافق الدولة والمحلات التجارية ولم تلتفت إلى أن عدد المحتجين الذين قاموا بالتجمهر وعرقلة العمل يناهز عددهم 600 عامل.
فقضت محكمة النقض بنقض قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ( قرار محكمة النقض عدد 01 الصادر بتاريخ 08/01/2015 في الملف عدد 132/4/2/2012 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 79، سنة 2015، ص 283 وما بعدها) بحيث جاء فيه ما يلي: " في حين أنه ولئن كانت مسؤولية الدولة عن أخطاء الأجهزة المكلفة بحماية الأمن العام تتطلب أن تكون أخطاء تلك الأجهزة على درجة كبيرة من الجسامة بالنظر لدقة عملها والأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقها والإكراهات التي تشتغل في إطارها (...) إلا أن امتناع تلك الأجهزة عن التدخل أو تأخرها في ذلك بشكل غير مبرر أو تدخلها بشكل سيء يرتب مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن ذلك، ويتحقق التأخر في التدخل كلما استنكفت تلك الأجهزة لمدة غير معقولة عن القيام بواجبها لحماية الحقوق المذكورة دون مبرر مقبول، وفي النازلة فإن المحكمة لم تتعرض للمدة التي استمر فيها الاعتصام والمنع من الاستغلال للقول بوجود خطأ جسيم أم لا بالنظر إلى طول تلك المدة مع ما قد يستشف منها من امتناع المرفق من التدخل وفك الاعتصام، وبمراعاة ظرفي الزمان والمكان والأخذ بعين الاعتبار ما ورد في محضري اللجنة المكلفة بمتابعة عملية استغلال الرمال البحرية بتاريخ 22/23 يونيو 1999 ومحضر المعاينة والاستجواب المؤرخ في 23/10/2002 المنجزين في القضية، مما يكون قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه عرضة للنقض." 
- مباشرة إدارة الضرائب لعملية الفحص داخل أجل معقول من تاريخ الإشعار بالفحص: 
بخصوص مسطرة الفحص المنجزة على إثر مراقبة ضريبية طرح إشكال يتعلق بتحديد الأجل الأقصى المخول لإدارة الضرائب لمباشرة الفحص والذي يحتسب ابتداء من توصل الملزم بتاريخ إجراء هذا الفحص، فالحد الأدنى كما هو معلوم هو 15 يوما من تاريخ توصل الملزم بالإشعار بالفحص، وقد سكت المشرع عن تحديد الأجل الأقصى المحدد للإدارة لإجراء الفحص، مما يطرح معه التساؤل حول تقاعس الإدارة لمدة طويلة عن إجراء الفحص، فهل يمكنها متى شاءت مباشرة هذا الفحص؟ وبعد مرور أي مدة دون تقييد؟ أم يتعين عليها إن تراخت بشكل غير مقبول إعادة مسطرة الفحص من البداية وبالتالي توجيه إشعار جديد بالفحص للملزم؟ أم أن إدارة الضرائب مطالبة بمجرد مرور أكثر من 16 يوما على تاريخ الإشعار بالفحص بإرسال إشعار أخر للملزم ومنحه أجلا جديدا قبل مباشرة عملية المراقبة وتدقيق المحاسبة والوثائق؟
أتيحت الفرصة لمحكمة النقض للحسم في هذا الإشكال في عدة مناسبات، من بينها قرار محكمة النقض عدد 291 الصادر بتاريخ 20/03/2014، في الملف عدد 1782/4/2/2012 (منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 77، ص 260 وما يليها) جاء فيه ما يلي: " حيث استندت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه فيما انتهت إليه من إلغاء الحكم المستأنف القاضي برفض الطلب والحكم بعد التصدي بإلغاء مسطرة المراجعة إلى ما جاءت به من أن:" المفتش قام بتوجيه الإشعار بالفحص وتوصل به المطلوب بتاريخ 22/10/1999 ولم يشرع في عملية الفحص الجبائي إلا في 29/11/1999 أي بعد مرور أكثر من 37 يوما، في حين كان عليه أن يباشر عملية الفحص في اليوم 16 من تاريخ التوصل بالإشعار بالفحص وإلا يتوجب عليه توجيه إشعار جديد"، في حين أن كلا من الفقرة II من المادة 42 من قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 30.85 وكذا لفقرة II من المادة 105 من القانون 17.98 المتعلق بالضريبة على الدخل تنصان على أنه : " عندما يتقرر فحص محاسبة ما، فإنه يجب توجيه إعلام إلى الخاضعين للضريبة برسالة موصى بها مع الإشعار بالتوصل قبل التاريخ المحدد لإجراء المراقبة بما لا يقل عن 15 يوما،" ومؤدى الفقرتين المذكورتين أن المسطرة تكون مخالفة للقانون متى كان الأجل الفاصل بين توجيه الإشعار بالفحص والتاريخ المحدد لإجراء المراقبة يقل عن 15 يوما، وبمفهوم المخالفة فإذا كان الأجل يفوق 15 يوما ودون أن يتعدى أمدا معقولا من شأنه أن يجعل الملزم في حالة ترقب دائم لحضور المفتش ويؤدي بالتالي إلى التأثير سلبا على نشاطه المهني، فلا مجال للقول بكون المسطرة معيبة لأن الملزم لا يكون متضررا من ذلك بل إنه تكون له مدة أطول من أجل إعداد وثائقه ومستنداته وهو ما لم يراعه ويبرزه القرار الذي جاء خارقا للقانون وعرضة للنقض."
- علاقة العلم اليقيني بنظرية الأجل المعقول:
اعتبرت محكمة النقض أنه ليس من المعقول سكوت الموظف لمدة 5 سنوات ابتداء من إيقاف صرف أجرته قبل رفع دعوى الإلغاء، وأن واقعة توقيف الأجرة تدل على علم الطاعن يقينيا بقرار حذفه من أسلاك الوظيفة العمومية. 
جاء في قرار محكمة النقض 683 الصادر بتاريخ 28/09/2005 في الملف الإداري عدد 3935/4/1/2003، (غير منشور) ما يلي:
" لكن، حيث إن قرار الحذف من الأسلاك المدلى بصورة منه في الملف يحمل في أسفله توقيع وتأشيرة القابض البلدي بمدينة تزنيت حيث كان مقر عمل الطاعن بما يفيد احاطة المصالح المالية علما بهذا القرار وبالتالي توقيف أجرة الطاعن كأثر حتمي لذلك العلم وهو توقيف من شانه ان يفيد العلم اليقيني بصدور القرار المذكور القاضي بالحذف من الأسلاك ، وانه ليس من المعقول بتاتا ان يسكت الطاعن عن توقيف أجرته أزيد من خمس سنوات قبل ان يرفع دعواه بالالغاء فيكون الحكم المطعون فيه بذلك قد صادف الصواب فيما انتهى إليه."
-تطور نظرية الأجل المعقول في حقل المنازعات الإدارية: 
ذهب القضاء الإداري إلى إقرار مسؤولية الإدارة عن البطء غير المبرر في اتخاذ الإجراءات اللازمة داخل أمد معقول وذلك تفاديا لإحداث الضرر بسبب هذا التأخير غير المقبول، بحيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها عدد 28 الصادر بتاريخ 07/01/2014 في الملف عدد 412/13/6 (غير منشور) بأن " وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أخطأت حين تأخرت في صيانة المسجد المذكور لأكثر من ستة أشهر إلى حين حلول فصل الشتاء وما يعرفه من تهاطل متوقع للأمطار مما عجل بسقوط الصومعة على المصلين وحدوث الأضرار المذكورة أعلاه، وبالتالي فإن بطء الإدارة في أداء الخدمة المرفقية المتمثلة في صيانة المسجد وحماية المصلين يشكل إحدى صور الخطأ الإداري التي تسال عنه في نطاق الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود و لا مجال للتمسك بالقوة القاهرة وإرجاع سبب الانهيار إلى تساقط المطر مادام أن التساقطات كانت متوقعة ولم يثبت للمحكمة أنها خرجت عن المألوف في ظروف الزمان والمكان.
وحيث من جهة أخرى، فإن الإدارة تتوفر دائما على آليات التدخل المستعجل للحفاظ على الأرواح وتفادي الإضرار بالمصلين من خلال إصدار قرار بإغلاق المسجد بشكل احتياطي إلى حين استكمال الدراسات المتعلقة بطريقة ترميمه، وبالتالي فلا يعفيها من المسؤولية تمسكها بأنها بادرت إلى تحريك المساطر الأولية لإجراء دراسات الترميم، ولا تمسكها بأن اللجان التي عاينت المسجد لم توصي باتخاذ إجراءات استعجالية طالما أن تلك اللجان تعمل تحت إمرتها وتابعة لها وأنها تظل دائما متحملة مسؤولية سوء تقديرها لتوقيت تدخلها ولنوع الإجراء الاحترازي الواجب اتخاذه، فكان الحكم المستأنف معللا تعليلا سليما بخصوص قيام المسؤولية، ويبقى السبب المثار بشأنه مردودا ."
-الأجل الأقصى لممارسة الطعن بإعادة النظر: 
قد يسكت المشرع عن تحديد أجل ممارسة بعض الطعون، مثال ذلك الطعن بإعادة النظر المنظم بمقتضى قانون المسطرة المدنية، الذي لم يحدد النص المنظم له الأجل الأقصى لممارسته، فهل يبقى الأجل مفتوحا أمام صاحب الصفة والمصلحة؟ أم يتعين عليه تقديم الطعن المذكور داخل أجل معقول أم ماذا؟
اهتدت الغرفة المدنية بمحكمة النقض في سياق الجواب عن هذا الإشكال إلى حل استقته من القواعد العامة للالتزام المنصوص عليها بقانون الالتزامات والعقود، وبالضبط الفصلين 372 و387 من هذا الظهير اللذين يتحدثان عن أجل سقوط دعوى الالتزام.
بحيث جاء في قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 19/01/2016 ما يلي: 
" حيث إن آجال الطعن في الأحكام هي آجال سقوط، ولما كان أقصى أجل الطعن بإعادة النظر هو خمس عشرة سنة قياسا على ما يقرره الفصلان 372 و 387 من قانون الالتزامات والعقود من أن دعاوى الالتزام تسقط بمرور هذا الأجل لانعدام النص على أجل الطعن بإعادة النظر في قانون المسطرة المدنية، ولما كان القرار المطعون فيه بإعادة النظر قد صدر بتاريخ 02/7/1997 ومقال الطعن بإعادة النظر لم يقدم إلا بتاريخ 04/04/2014، وكان الأجل أجل سقوط، فإن مرور خمس عشرة سنة كاملة على تاريخ صدوره، يجعل الطعن خارج أجله مما يتعين معه عدم قبوله." (قرار محكمة النقض، عدد 36، الصادر بتاريخ 19/01/2016، في الملف المدني عدد 1807/1/4/2014، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 81، ص 31 وما يليها.)
فمحكمة النقض اعتبرت من خلال هذا القرار أن أجل 15 سنة المقرر لسقوط دعاوى الالتزام أجل معقول ويصلح اعتماده على سبيل القياس كأجل أقصى للطعن في الأحكام بطريق إعادة النظر.

عن الكاتب

justicemaroc

التعليقات

>

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابعونا على الفيسبوك

موقع العدالة المغربية

موقع العدالة المغربية، موقع مغربي غايته نشر العلم والمعرفة القانونية بين الطلبة والباحثين في المجال القانوني، يمكنكم المساهمة معنا في إثراء الساحة القانونية عبر إرسال مساهماتكم إلى البريد الإلكتروني التالي: contact@marocjustice.com
موقع العدالة المغربية، رفيقك إلى النجاح في الدراسات القانونية

جميع الحقوق محفوظة

موقع العدالة المغربية