-->
موقع العدالة المغربية موقع العدالة المغربية
مقالات

آخر المستجدات

مقالات
مقالات
جاري التحميل ...

الرقابة على دستورية القوانين بفرنسا، أموهو يحيى | مجلة العدالة المغربية

أموهو يحيى، طالب باحث  بماستر التشريع وعمل المؤسسات الدستورية والسياسية
مجلة العدالة المغربية
ارتبط القضاء الدستوري كفكرة وتطبيق من جهة بشكل وثيق بنمو وتطور حركة الدسترة الجديدة التي تهدف إلى إخضاع أعمال السلطات العامة لمجموعة من الضوابط القائمة داخل النص الدستوري، ومن جهة أخرى، برز القضاء الدستوري كنتيجة متزامنة ومتوافقة مع جهة أخرى، مع الطفرة النوعية التي عرفتها الديمقراطية وأيضا كعلاج مؤسساتي"ضد الأنظمة المتسمة بتعزيز وتقوية السلطة التنفيذية أكثر .
       وتعد فرنسا مهد الرقابة السياسية على دستورية القوانين ، حيث نشأت أول مرة في فرنسا بموجب دستور السنة الثامنة لإعلان الجمهورية الصادر في عام 1799 واستمرت في تطبيقها حتى الوقت الحاضر، ومن فرنسا أخذت بهذه الطريقة بعض الدول.
       وتعرف الرقابة السياسية بكونها رقابة وقائية Contrôle préventif وسابقه على إصدار القانون ، تتم ممارستها من قبل هيئة سياسية خاصة أنشأها الدستور وذلك للتحقق من مطابقة أعمال السلطات العامة، ولا سيما أعمال السلطة التشريعية، لأحكام الدستور فهي ساسية لأنها تعهد عملية الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة سياسية حددها الدستور، وهي وقائية لأنها تهدف إلى الحيلولة دون إصدار القوانين غير الدستورية.
       فماهي أهم المراحل الأساسية التي عرفتها التجربة الفرنسية في مراقبة دستورية القوانين؟ وماهي أهم           مميزات هذه التجربة؟ وماذا عن الواقع الحالي لهذه التجربة؟ 
       للإجابة عن هذه الإشكاليات وغيرها من التساؤلات التي يطرحها الموضوع ارتأينا التطرق في هذا المقال لتطور الرقابة السياسية في فرنسا (الفقرة الأولى) على أن نعرج بعد ذلك لرصد الوقائع الحالي لهذه الرقابة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تطور الرقابة على دستورية القوانين في فرنسا.
       لم تعرف الدساتير الأولى للثورة الفرنسية (دستور 1791 ودستور 1793) هذا النوع من الرقابة (السياسية) على دستورية القوانين، حيث كانت المحاولة الأولى لتقرير هذه الرقابة قد تمت عند إعداد دستور 1795 عندما اقترح "سياسSieyes" (أحد فقهاء الجمعية التأسيسية) إنشاء هيئة محلفين دستورية يعهد إليها بمهمة مراقبة دستورية القوانين وإلغاء القوانين المخالفة الدستور وهو ما لم ينجح فيه إلا بعد دستور 1799 حيث تم قبول اقتراحه السابق[1]، وذلك من خلال إنشاء مجلس الشيوخ الحامي للدستور غير أن هذا المجلس أخفق في أداء مهمته ولم يستطيع إلغاء أي قانون مخالف للدستور وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
  ·خضوع المجلس بشكل كامل لسيطرة الإمبراطور "نابليون" الذي كان مهيمنا على أعضائه فيما يتعلق             بتعيينهم وتحديد راتبهم وتعويضاتهم.
   ·  أن المجلس لا يستطيع أن يباشر الرقابة على دستورية القوانين من تلقاء نفسه، وإنما يقوم بفحص               القوانين والقرارات المحالة إليه من قبل الحكومة أو من قبل هيئة خاصة تسمى المجلس النيابي ، إلا أنه         سوف يتم إلغاء هذا الأخير من طرف نابليون، وهكذا يكون مجلس الشيوخ قد أخفق في القيام بمهمة           الرقابة على دستورية القوانين قبل إصدارها.
         عرفت تجربة مراقبة دستورية القوانين في فرنسا تطورا ملحوظا في ظل دستور الجمهورية الرابعة سنة 1946 حيث قرر في مواده 91-92-93 إحداث هيئة سياسية خاصة أسماها اللجنة الدستورية تعنى بمراقبة دستورية القوانين بناء على طلب مشترك يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الجمهورية بعد موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الجمهورية (أي مجلس الشيوخ حاليا).
          وتتألف هذه اللجنة (الدستورية) من رئيس الجمهورية بحكم منصبه، رئيسا ومن اثنى عشر عضوا وهم :رئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ وسبعة أعضاء تنتخبهم الجمعية الوطنية من غير أعضائها في بداية كل دورة سنوية على أساس التمثيل النسبي للهيئات السياسية، وثلاثة أعضاء يختارهم مجلس الجمهورية بالطريقة ذاتها.
           أما عن مهام اللجنة فهي تقتصر على البحث فما إذا كانت القوانين التي أقرتها الجمعية الوطنية تتضمن تعديلا للدستور أم لا، وعليها أن تقدم تقريرها خلال مدة خمسية أيام تنقص إلى يومين في حالة الاستعجال. وتقوم اللجنة فما تقرير فيما إذا كان القانون موافقا للدستور أو إنه يتضمن تعديلا دستوريا، فإذا قررت أن القانون موافق للدستور فعلى رئيس الجمهورية إصداره خلال عشرة أيام تنقص إلى خمسة أيام في حالة الاستعجال ، أما إذا قررت اللجنة أن القانون كان
          يتضمن تعديلا لأحكام الدستور فإنها لا تستطيع إلغاؤه بل عليها إعادته إلى الجمعية الوطنية لتنظر فيه من جديد ، ورأي اللجنة في هذه الحالة غير ملزم للجمعية الوطنية التي تستطيع إما أن تأخذ برأي اللجنة وتقوم بتعديل القانون ليصبح موافقا للدستور ومن تم يتم إصداره بعد ذلك أو أنها تخالف رأي اللجنة الدستورية وتتمسك بالقانون ولا تقبل تعديله، وفي هذه الفرضية الأخيرة يمتنع رئيس الجمهورية عن إصدار هذا القانون ، وعلى الجمعية الوطنية أن تباشر إجراءات تعديل الدستور حتى يصبح متفقا مع القانون.
لقد انتقدت هذه اللجنة الدستورية من عدة نواحي متعلقة بتشكيلها واختصاصاتها فمن حيث تشكيل اللجنة يلاحظ أن قيام البرلمان باختيار عشرة من أعضائها يفقد هذه اللجنة استقلالها عن البرلمان ويجعل اختيار أعضائها خاضعا للاعتبارات الحزبية التي قد توصل إلى عضوية هذه اللجنة أعضاء لا تتوافر فيهم المعرفة القانونية التي تتطلبها مهمة فحص دستورية القوانين، أما من حيث مهمة هذه اللجنة فيلاحظ ضآلة هذه المهمة وعدم جدواها، إذ أنها لا تقوم برقابة فعالة على دستورية القوانين
الفقرة الثانية : الواقع الحالي للرقابة على دستورية القوانين في فرنسا:
خول دستور فرنسا لـ 4 أكتوبر 1958 (وهو الدستور النافذ حاليا) مهمة الرقابة على دستورية القوانين للمجلس الدستوري.
ويتألف هذا المجلس من نوعين من الأعضاء، أعضاء بقوة القانون وأعضاء معينون.
أ ـ أعضاء بقوة القانون :
هم رؤساء الجمهورية السابقون الذين يعتبرون أعضاء بحكم القانون لمدى الحياة  وذلك يهدف الاستفادة من خبرتهم السياسية والدستورية التي اكتسبوها في فترة توليهم رئاسة الدولة.
تبعا لذلك، شارك عدد من رؤساء الجمهوريتين الرابعة والخامسة في المجلس الدستوري منذ إنشائه سنة 1958، يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى "روني كوتي" الذي كان رئيسا للجمهورية بين 1953 و 1958 تولى عضوية المجلس بين 1958 و 1962 تاريخ وفاته. أما الجنرال "ديجول" فقد رفض عضوية المجلس الدستوري بعد استقالته سنة 1969 إثر فشل الاستفتاء الذي أجرى في 27 أبريل 1969 حول الإصلاح الجهوي ومراجعة النظام الأساسي لمجلس الشيوخ.
ب ـ الأعضاء المعينون:
وهم تسعة أعضاء معينون من طرف كل  من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ بالتساوي، لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ويجدد ثلتهم كل ثلاث سنوات ، ويعين رئيس المجلس الدستوري من قبل رئيس الجمهوري، ويكون له صوت مرجع عند تساوي الأصوات.
أما فيما يخص اختصاصات المجلس الدستوري فهو يمارس اختصاصات متنوعة، منها اختصاصات ذات طبيعة استشارية كاستشارية من طرف رئيس الجمهورية قبل إعلانه حالة الاستثناء (المادة 16) واختصاصات ذات طبيعة إدارية كالرقابة على عمليات الاستفتاء (المادة 60) وعلى الانتخابات الرئاسية (المادة 58) وأخرى ذات طبيعة قضائية كالبت في صحة انتخاب النواب وأعضاء مجلس الشيوخ (المادة 59) إضافة إلى اختصاصات تهم الرقابة على دستورية القوانين .
ولما كان موضوع مقالنا يتعلق برقابة دستورية القوانين لذلك سنقتصر على دراسة الرقابة التي يمارسها المجلس الدستوري في فرنسا على دستورية القوانين، حيث يمكن التمييز بين الرقابة الإلزامية والرقابة الاختيارية:
أ ـ الرقابة الإلزامية :
نظرا لتمييز الدستور الفرنسي القوانين التنظيمية عن القوانين العادية، وجعلها في مرتبة عليا شكلا ومضمونا ، حيث يجب إحالتها (القوانين التنظيمية) على المجلس الدستوري قبل إصدارها من أجل التأكد والتحقق من دستوريتها كما يمارس المجلس الدستوري رقابة إلزامية على القانون الداخلي للبرلمان إذ ألزم الدستور عرض القانون الداخلي للمجلسين على المجلس الدستوري للتحقق من مطابقتها للدستور قبل الشروع في العمل به.
ب ـ الرقابة الاختيارية :
يمارس المجلس الدستوري رقابة اختيارية على القوانين العادية، التي يوافق عليها البرلمان قبل إصدارها ، وذلك بإحالة من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ، وبدءا من عام 1974 أصبح يحق لستين نائب في الجمعية الوطنية أو ستين عضوا في مجلس الشيوخ أن يطلبوا من المجلس الدستوري فحص دستورية قانون من هذه القوانين العادية.
إضافة إلى ذلك، يمارس المجلس رقابته الاختيارية على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ويتولى المجلس الدستوري البت في دستورية القوانين خلال شهر من تاريخ عرضها عليه، وخلال ثمانية أيام في حالة طلب استعجال موجه من الحكومة.
وسيمكن تعديل 23 يوليوز 2008 المواطن الفرنسي من إثارة دستورية القوانين، وذلك بالاستناد على مس القانون المراد تطبيقه في دعوى قضائية بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور. حيث تنص المادة 61 في فقرتها الأخيرة على ما يلي : "إذا ثبت أثناء دعوى قيد النظر أمام جهة قضائية ، أن حكم تشريعيا يمس بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، يمكن إخطار المجلس الدستوري بهذه الدعوى ، التي يفصل فيها في أجل محدد بإحالة من مجلس الدولة أو محكمة النقض.
وفي الختام يجب التنويه إلى أن المجلس الدستوري يلعب دورا هاما في حماية الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور حيث وسع المجلس من مجال رقابته من خلال اعتماده للكتلة الدستورية إذ تشمل رقابة دستورية القوانين مطابقتها للدستور والكتلة الدستورية.
إلا أن ما يعاب على التجربة الفرنسية هو سكوت المشرع الفرنسي عن الآثار المترتبة عن إمساك محكمة النقض أو مجلس الدولة حسب الحالة من إحالة القانون الذي تم الدفع بعدم دستوريته على المجلس الدستوري داخل أجل ثلاثة أشهر.
الهوامش
1- عبد الحق بلفقيه : "القضاء الدستوري بالمغرب دراسة مقارنة مجلة مسالك، القضاء الدستوري  بالمغرب ، المحكمة الدستورية ونظم الرقابة على دستورية القوانين عدد 38/37
2- الدكتور عمر العبد الله " الرقابة على دستورية القوانين (دراسة مقارنة) المعهد العالي للعلوم السياسية ، دمشق

عن الكاتب

Unknown

التعليقات

>

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابعونا على الفيسبوك

موقع العدالة المغربية

موقع العدالة المغربية، موقع مغربي غايته نشر العلم والمعرفة القانونية بين الطلبة والباحثين في المجال القانوني، يمكنكم المساهمة معنا في إثراء الساحة القانونية عبر إرسال مساهماتكم إلى البريد الإلكتروني التالي: contact@marocjustice.com
موقع العدالة المغربية، رفيقك إلى النجاح في الدراسات القانونية

جميع الحقوق محفوظة

موقع العدالة المغربية