-->
موقع العدالة المغربية موقع العدالة المغربية
مقالات

آخر المستجدات

مقالات
مقالات
جاري التحميل ...

قراءة في التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط، عادل القاسمي | مجلة العدالة المغربية

عادل القاسمي
• طالب باحث بماستر القانون العقاري والحقوق العينية بفاس .
مجلة العدالة المغربية
جاء في التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2017 برسم سنة 2016 بأن القضايا المتعلقة بعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية التي توصلت بها المؤسسة بلغت 8,4 في المائة.

 كما جاء في التقرير أيضا أن معظم الشكايات التي وردت على المؤسسة هي من الأشخاص الطبيعيين الفرادى، حيث يصل عددهم 77.5% فيما بلغت نسبة مجموعات الأشخاص 14.7%. أما الأشخاص الاعتباريون، فلم تتجاوز نسبتهم  .%7.8

وتتصدر القضايا ذات الطابع الإداري لائحة الشكايات التي يتم التوصل بها بنسبة تناهز 60%، متبوعة بالقضايا العقارية بما نسبته 17.8%، ثم القضايا ذات الطابع المالي بنسبة 9.9 %، أما القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان فلم تتجاوز   .%1.4
وجاء قطاع الداخلية والجماعات الترابية على رأس قائمة القطاعات المعنية بالشكايات والتظلمات؛ فقد استحوذ هذا القطاع، على النصيب الأوفر بنسبة إجمالية تبلغ 36.7%، متبوعا بقطاع الاقتصاد والمالية بما نسبته 17.3%، ثم قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني بنسبة 10.6%، ثم قطاع الفلاحة والصيد البحري بما نسبته 5.1%، ثم قطاع التشغيل بنسبة 4.9% من مجموع الشكايات المتوصل بها .
فمن خلال هذا التقرير يتبين أن القضايا الإدارية والعقارية تستحوذ على أزيد من 77 % من مجموع الشكايات المقدمة إلى مؤسسة الوسيط . والتي تتعلق على الخصوص بقضايا الإعتداء المادي وقضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت ، وأيضا تلك المتعلقة بامتناع المحافظ العقاري عن تنفيذ الحكم القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به .
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال التصميم التالي :
كل هذه الأرقام وغيرها التي جاءت في هذا التقرير تجعلنا نتساءل عن مدى فعالية الوسائل والآليات التي يعتمدها القضاء المغربي لإجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية النهائية ؟ وما هي أهم الإشكالات التي تقف عقبة في وجه تنفيذ هذه الأحكام ؟
 المحور الأول : إشــكــالية امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية .
• المحور الثاني: دور القضاء في حل إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإدارة.
المحور الأول: إشــكــالية امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية .
إن الحماية القضائية للحقوق لا تكتمل بمجرد صدور الأحكام و إقرار الحماية الموضوعية، بل تظل هذه الحماية القضائية رهينة بتحقيق شقها الثاني، وهو الحماية التنفيذية التي تؤدي إلى ترجمة منطوق الحكم إلى الواقع الخارجي ليصبح موافقا له ،
   فإشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ترجع بالأساس إلى غياب إجراءات مسطرية فعالة من شأنها العمل على إجبار الإدارة على التنفيذ، فقانون المسطرة المدنية وكذا القانون 41.90 المنظم للمحاكم الإدارية لا يتضمنان الأساليب اللازمة لدفع الإدارة على تنفيذ الأحكام المتصفة بقوة الشيء المقضي به[1]، مما يدفعنا إلى إثارة التساؤل حول كيفية إيجاد الحلول الكفيلة التي من شأنها الدفع بالإدارة إلى احترام الأحكام القضائية؟
فالقانون المنظم للمحاكم الإدارية اكتفى بالتنصيص في المادة 49 منه على أن: تنفيذ الأحكام يتم بواسطة كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، فيما نصت المادة 7 منه على أنه تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل، هل تتلاءم قواعد المسطرة المدنية التي أحال عليها القانون المحدث للمحاكم الإدارية مع طبيعة الأحكام التي تصدر عنها ؟ خاصة إذا علمنا أن قانون المسطرة المدنية يتعلق بأشخاص القانون الخاص دون أشخاص القانون العام ، زد على ذلك أن قانون المسطرة المدنية لا يتضمن الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به . كل هذا يؤدي إلى تعقيد مسألة التنفيذ .   
هكذا، وأمام غياب نصوص تشريعية لحل معضلة تنفيذ الأحكام القضائية نجد محاكم الموضوع خاصة المحاكم الابتدائية و الاستئنافية ــ بل حتى المجلس الأعلى ـــ قد دأبت على تطبيق مبدأ عدم قابلية الأموال العمومية للحجز وكان ذلك قبل إنشاء المحاكم الإدارية وقد صرحت محكمة الاستئناف بالرباط[2]:"... بأنه لا يمكن أن تتعرض أموال الدولة للحجز لكون هذه الأخيرة يفترض فيها ملاءة الذمة ولكون الديون التي عليها لا تؤدي إلا وفق قواعد المحاسبة العمومية وأنه لا يمكن الأمر بالتنفيذ المعجل ما دام التنفيذ الجبري نفسه غير ممكن" وقد انساق لهذا الموقف أحد الباحثين، حيث اقترح تدخل المشرع المغربي بسن مقتضيات لتحريم الحجز على ممتلكات الدولة، لكون أن أموال الدولة تبقى مخصصة لتسيير المرفق العام، كما أن تقديم المصلحة العامة للبلاد يقتضي الترجيح والتضحية بالمصلحة الخاصة للأفراد على حد قوله[3].
وبالرغم من كون أن هذا التوجه قد ينسجم مع مقتضيات الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الذي يحضر كل عمل من شأنه أن يعرقل نشاط ومصالح الدولة إلى أنني بالمقابل أتحفظ على هذا التوجه لكون أن إقصاء الآليات القانونية بما فيها الحجز على ممتلكات الدولة قد يشجع الدولة وأجهزتها على الإحجام عن تنفيذ الأحكام القضائية، مما قد يؤدي أضرارا بحقوق الأشخاص خصوصا أن هذه الأخيرة بدورها محمية بمقتضيات الدستور ومكرسة أيضا بالمواثيق الدولية، فضلا أن هذا التصرف يشكل خرق للنظام العام للدولة، وبالتالي يؤدي إلى عدم الاستقرار خصوصا إذا علمنا أن الأحكام القضائية صادرة باسم مالك الدولة.
المحور الثاني: دور القضاء في حل إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإدارة.
بعد إحداث المحاكم الإدارية تدخلت هذه الأخيرة لإنصاف وحماية حقوق الأشخاص تجاه الإدارة الممتنعة عن التنفيذ من خلال إقرارها لإمكانية الحجز على أموال الدولة وهو ما نص عليه أمر قضائي وقد جاء فيه ما يلي:"...إن الأموال التي يتشكل منها رأس المال المحجوز على افتراض أنها أموال عمومية، فإن جزء منها قد رصد أصلا لتسديد مستحقات للأشخاص الذين صدرت... ، وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤلاء ولا ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها.." [4].
وقد أكدت ابتدائية بفاس هذا التوجه من خلال مصادقتها على إيقاع الحجز و مما جاء فيه ما يلي: "... وحيث دأب العمل القضائي دون خلاف على إمكانية الحجز، من حيث المبدأ أو لكون ملاءة الذمة التي تتميز بها الدولة ومؤسساتها والتي تعد العائق القانوني الذي يحول دون إيقاع الحجز على أمولها، يصبح مبررا عديم الأثر من الناحية القانونية بمجرد امتناع هذه الأخيرة عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر... والتي تفرضها الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ والتي باحترامها يحترم النظام العام.."[5].
ولم تكتف المحاكم الإدارية بالحجز على ممتلكات الدولة وإنما ارتأت على فرض غرامة تهديدية لإجبار الإدارة على الامتثال للأحكام القضائية متبعة بذلك نهج القضاء والتشريع المقارن، بحيث أن المشرع المغربي وإن كان لم ينص صراحة في قانون المحاكم الإدارية على إمكانية تهديد الإدارة على تنفيذ الأحكام والأوامر الإدارية بالغرامة التهديدية، بإحالته في نفس القانون على مقتضيات المسطرة المدنية، يكون قد أجاز ضمنيا هاته الإمكانية، خاصة وأنه لا وجود لأي نص خاص يخالف مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية وقد شجع الفقه[6]، هذا التوجه القضائي معتبرا إياه بالموقف الشجاع والجريء للقاضي الإداري الذي حكم لأول مرة على الإدارة بغرامة تهديدية، ويطابق التوجه العام الذي أراده المشرع للمحاكم الإدارية .
وعموما يمكن القول أن هذه الإجراءات سواء الحجز على أموال الدولة أو الحجز لدى الغير أو فرض غرامة مالية لإجبار الإدارة على التنفيذ الأحكام أصبحت إجراءات فعالة ورادعة، بحيث جعلت الإدارات في بعض الأحيان تتسارع من أجل أداء ما بذمتها تجنبا للحجز على ممتلكاتها وكذا تفادي تفاقم الفوائد القانونية[7]، مما انعكس ذلك إيجابا على مسألة تنفيذ الأحكام القضائية .
لذلك أصبح المجلس الأعلى يقر بفضل المحاكم الإدارية بأن: "عدم عرقلة الأعمال الإدارية أو تعطيل القرارات الصادرة عن الإدارة وإن كان يعتبر مبدأ قار استقر عليه الاجتهاد القضائي الإداري إلا أن ذلك مشروط بوجوب أن تكون القرارات أو الأعمال مشروعة ومتفقة مع أحكام القانون[8].
مما يقتضي من المشرع التدخل وتعيين هذه الآليات بمقتضيات خاصة، ومن شأن ذلك أن يساهم في خلق التوازن بين استقلال الإدارة والهيئة القضائية وبالتالي إنصاف حقوق الأفراد .
وبرغم من أهمية هذه الوسائل إلا أنني أعتقد أنها تبقى نسبية، لهذا يقتضي أن يتم البحث عن بدائل وسبل أخرى من شأنها الحد من ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، من خلال إقرار آليات جديدة تصل إلى حد تجريم عملية الامتناع عن التنفيذ كما هو معمول به في بعض التشريعات المقارنة. كما أن تأهيل الإدارة وتخليقها وتطوير أساليبها ودواليبها للدخول في نسق العولمة، حري بالتفكير في إعطاء شحنة قوية لتنفيذ الأحكام القضائية .
فالإدارة بهذا المعنى عندما تخالف المشروعية وتتملص من تطبيق القانون، تكون بذلك قد أساءت لمبدأ الشرعية وسيادة القانون وهذا ليس في مصلحة الإدارة التي يجب أن تكون قدوة في الامتثال للدستور[9] و القوانين وتعطي المثال في احترام الحقوق ومصالح المواطنين .
 وبناءا على ما سابق في هذه الدراسة نــقترح على المشرع المغربي أن يعمل على :
 ـ إحداث مسطرة قانونية خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية .
ـ على تصفية الملفات التنفيذية القديمة وإيلائها كامل العناية .
ـ على الدعم وتقوية جهاز التنفيذ وتعزيزه على مستوى المحاكم بالموارد البشرية والمادية اللازمة .



:الهامش
[1] ـ آمال المشرفي:" التقرير الختامي، مناقشة حول دولة الحق والقانون وإشكالية تنفيذ الأحكام من طرف الإدارة "، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 27 أبريل يونيو 1999، ص 129.
[2]  ـ محكمة الاستئناف بالرباط: حكم صادر بتاريخ 14 غشت 1956، أورده، رافع عبد الوهاب تنفيذ الأحكام الإدارية في مواجهة المؤسسات العمومية، م.س، ص 323.
[3]  ـ عبد الله الكرني: النقد القانوني لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة، الندوة الجهوية الثالثة قضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى مراكش، 21 – 22 مارس 2007، ص 299.
[4]  ـ الأمر القضائي الصادر عن إدارية الرباط عدد 99 المؤرخ في 23/04/1997 أورده مصطفى التراب إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 27 سنة 1999، ص 122.
[5]  ـ أمر استعجالي صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس: رقم 01 ن الصادر بتاريخ 30 يناير 2008 ملف رقم 48/2007، غير منشور
[6]  ـ أمال المشرفي: " التقرير الختامي، مناقشة حول دولة الحق والقاون وإشكالية تنفيذ الأحكام من طرف الإدارة "، م.س، ص 131.
[7]  ـ مصطفى التراب، مرجع سابق، ص 125.
[8]  ـ قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، رقم 1293، ملف إداري رقم 320/2/97 الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 1999 أورده محمد آيت المكي، في مؤلفه :" تنفيذ أحكام القضاء الإداري الصادر ضد الإدارة بين تحمس المحاكم الإدارية وتردد المجلس الأعلى" ، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، العدد 2، سنة 2004، ص 16.
 نص الفصل 126 من الدستور على أن :" يجيب على الجميع إحترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ..."[9]

عن الكاتب

justicemaroc

التعليقات

>

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

تابعونا على الفيسبوك

موقع العدالة المغربية

موقع العدالة المغربية، موقع مغربي غايته نشر العلم والمعرفة القانونية بين الطلبة والباحثين في المجال القانوني، يمكنكم المساهمة معنا في إثراء الساحة القانونية عبر إرسال مساهماتكم إلى البريد الإلكتروني التالي: contact@marocjustice.com
موقع العدالة المغربية، رفيقك إلى النجاح في الدراسات القانونية

جميع الحقوق محفوظة

موقع العدالة المغربية